
فلسطين المحتلة - شبكة قُدس: يصادف اليوم الأربعاء، 27 آب / أغسطس، اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء، ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة لمعاقبة الفلسطيني بعد موته، وتحرم عائلات الفلسطينيين الذين تم قتلهم على يد قوات الاحتلال من أبسط حقوقهم في وداع ودفن أحبّائهم بكرامة، حيث تُحتجز الجثامين إمّا في مقابر سرّية تعرف بـ"مقابر الأرقام" أو في الثلاجات.
وقالت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء في بيان لها اليوم، إن سياسة احتجاز الجثامين ليست عَرَضية أو مؤقتة، بل جرى تثبيتها تدريجياً في المنظومة الإسرائيلية كجزء من منطق السيطرة الاستعمارية الذي يمتد ليشمل حياة الفلسطينيين وموتهم معاً، عبر سلبهم الكرامة والذاكرة وحق الوداع.
ويُعد احتجاز الجثامين أحد أبرز أشكال "سياسات الموت"، إذ يُستخدم جسد الشهيد بعد وفاته كأداة للهيمنة والقمع؛ فمن خلال حرمان العائلات من الحداد العلني، تفرض سلطات الاحتلال سيطرتها حتى على أعمق مشاعر الفقد، وفي كثير من الحالات تُجبر العائلات على انتظار طويل لاسترداد جثمان ابنها، وإذا تم الإفراج عنه، تُفرض عليها شروط قاسية، مثل الدفن الليلي، وتقييد عدد المشاركين، وحضور أمني مكثف، ما يعني أنّ الاحتلال لا يسيطر على حياة الفلسطينيين فحسب، بل أيضاً على طقوس موتهم.
وإسرائيليا، بدأت الممارسة بشكل عسكري غير منتظم بعد عام 1967، حيث دُفن المئات في "مقابر الأرقام"، ثم عادت بقوة عام 2015 استناداً إلى أنظمة الطوارئ البريطانية لعام 1945. وفي 2017 أقرت المحكمة العليا بعدم وجود أساس قانوني للاحتجاز لكنها أرجأت التنفيذ، ليتم تعديل قانون مكافحة الإرهاب عام 2018 بما يمنح الشرطة صلاحية احتجاز الجثامين رسميًا. وفي 2019 تراجعت المحكمة عن قرارها وأجازت الاحتجاز لأغراض "المساومة"، قبل أن يتم توسيع السياسة عام 2020 لتشمل جميع الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ عمليات.
وتعيش العائلات الفلسطينية حالة "حداد معلّق"، محرومة من وداع أحبائها، فيما تُسلَّم بعض الجثامين مشوّهة أو مجمّدة، بما يضاعف الصدمة. وتفرض سلطات الاحتلال أحيانًا مبالغ مالية باهظة، أو شروط دفن بعيدة عن مناطق سكن العائلة، ما يحوّل الحزن إلى عقوبة جماعية للأحياء والأموات معًا.
وتشير بيانات الحملة إلى أن الاحتلال يحتجز حتى الآن 726 جثمانًا؛ من بينهم 256 في "مقابر الأرقام"، و469 منذ عودة هذه السياسة عام 2015، بينهم 67 طفلاً و10 نساء و85 شهيدًا من الحركة الأسيرة. كما وثّقت مصادر إسرائيلية احتجاز أكثر من 1500 جثمان من غزة منذ بدء حرب الإبادة عام 2023، معظمها في معسكر "سدي تيمان" بظروف غير إنسانية.
وتنص اتفاقيات جنيف على وجوب إعادة الجثامين إلى ذويهم واحترام كرامتهم بعد الموت، ما يجعل هذه الممارسات الإسرائيلية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، واعتداءً على الحق في الكرامة والحياة الأسرية والحرية الدينية، وترقى في بعض الحالات إلى جريمة "الإخفاء القسري".
ومنذ عام 2008 يقود مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، عبر التوثيق والتحرك القضائي والضغط الدولي. وقد لعبت العائلات دورًا مركزيًا في هذا النضال، إذ حولت مأساتها الفردية إلى قضية وطنية، مؤكدة أن استرداد الجثامين هو جزء من معركة الفلسطينيين الأوسع من أجل الكرامة والذاكرة والعدالة.
ويعد احتجاز الجثامين امتداد ممنهج للهيمنة الاستعمارية، حيث يُعاقَب الفلسطيني في حياته وبعد موته. ورغم ذلك، تواصل العائلات والمجتمع المدني نضالهم لتحويل هذه القضية إلى محور أساسي في المواجهة مع الاحتلال، بينما يبقى التضامن الدولي والمساءلة القانونية ضرورة عاجلة لضمان حق الفلسطينيين في الكرامة حتى بعد الموت.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا